مداخلات نقدية لأهم الكتب في جلسة “الملتقى الأدبي”
احتفالا بمبادرة شهر القراءة، واليوم العالمي للمرأة، نظم “صالون الملتقى الأدبي” جلسة نقدية بعنوان: “المقص الأدبي”، تدور الفكرة حول مراجعة الكتب التي تمت قراءتها ومناقشتها في الملتقى خلال حوالي عشرين سنة من تجربته الثقافية الهامة. وتضمنت جلسة المقص أن يقدم كل مشارك لمحة لا تزيد عن خمس دقائق يعبر فيها عن كتاب حاز على إعجابه أو أنه لم يعجبه، وذلك بهدف تشجيع حرية النقد الأدبي للوصول بالرواية أو الكتاب إلى الأفضل. شارك في هذه الجلسة نحو عشرين أديبا وباحثا من أصدقاء الملتقى وضيوفه، إضافة إلى سيدات الملتقى الدائمات. وقد تناولت آراء المشاركين في هذه الجلسة النقدية العديد من الأعمال الأدبية والفكرية، وذلك في الجلسة التي عقدت مساء الأربعاء الماضي، بقاعة “الجزيرة” في قصر الإمارات، حيث أظهرت الآراء المطروحة جوانب كثيرة ومفيدة في مجال النقد الأدبي باعتباره ضرورة ثقافية في تقويم الكتابات وإظهارها بصورة أفضل، وخاصة في عصر الإنترنيت واتساع مساحة القراءة والسرعة في الوصول للشهرة.
استهلت السيدة أسماء صدِّيق المطوع، مؤسسة ومديرة “صالون الملتقى الأدبي” في أبوظبي، الجلسة مرحبة بالضيوف المشاركين، ومهنئة المرأة بيومها العالمي، وتابعت المطوع حديثها مقتبسة من فولتير قوله: “سئلت من سيقود الجنس البشري؟ فأجبت الذين يعرفون كيف يقرؤون”، مشيرة إلى أن القراءة عملية معرفية، وتختلف من قارئ إلى آخر، موضحة أن الكتاب الذي يجب أن تقرأه ليس الكتاب الذي يفكر عنك، بل الكتاب الذي يجعلك تفكر”. وتابعت المطوع موضحة أن لقاء “المقص الأدبي” محرض رواية أو كتاب يمارس فيه القاريء الرقيب الأدبي رغم سهولة انتشار الكتب في فضاءات الإنترنت والرقابة في بعض الأحيان وسلة جيدة لتسويق الكتب. وهناك علاقة متضادة بين الرقابة والكتب والفنون وغيرها، والرقيب الحقيقي هو القاريء يحدد ما يناسبه من غير وصاية على الفكر، لافتة إلى أن مقص الرقيب ليس دعوة لدور الرقيب الذي يحجز على الفكر ولا لتعقيم الكتب ولا للتكميم أو ممارسة الرقابة، وإنما محاولة للارتقاء بذوق القارئ ودفع مستوى الوعي النقدي. وأكدت أن كل من يقرأ كتابا ويستخلص من رحيقه شيئا، يحق له أن يبدي وجهة نظره حول ما يراه جوهريا في الكتاب، أو أن يعتقد أن فيه حشوا زايدا عن الحاجة وفيه تخمة تثقل على القارئ. وأضافت موضحة: “يمكن أن يكون المقص الأدبي محاولة لقطف أفضل ما بالرواية أو الكتاب، بمعنى أن يستخدم القارئ أي مقطع أو فكرة يراها جديرة بالتأمل والاحتفاء.
وركز الشاعر طلال الجنيبي مناقشته على رواية ماركيز “مئة عام من العزلة” مبينا أنه قرأها أكثر من مرة، وكيف ينظر الكاتب لجمالية الحياة ومتعتها حينما كادت تنتهي وتقلب الصفحة، مشيرا إلى أنها مقارنة عميقة جدا، ومن الصعب على الإنسان أن يتجاوزها حينما كادت تنتهي”.
وتطرق الكاتب الروائي سلطان العميمي إلى كتاب “حكايات عن إساءة الفهم” لأمبرتو إيكو، ترجمة ياسر شعبان، قال: الكتاب عبارة عن مجموعة محاضرات ألقاها في عدة جامعات، وتناول فيها العلاقة بين الثقافات، العلاقة بين المؤلف والنص، إضافة إلى موضوع اللغة، وقد أكد أمبرتو على أن اللغة العبرية هي اللغة الأم بين لغات العالم، كما تحدث عن اللغة الألمانية، بينما لم يأتِ على ذكر اللغة العربية. ولفت العميمي إلى أنه رأى في هذا التجاهل ظلما للعربية وأن الكاتب غير موضوعي، ولا يحق له أن يلغي العربية حتى لو بإشارة بسيطة.
بينما راحت د. فراوكا إلى عميد الأدب العربي طه حسين وأجزاء كتب الرحلات والصعوبات الكثيرة التي واجهها في حياته، لكنه تمكن من النبوغ والتفوق في إثبات ذاته على الرغم من تلك الصعوبات ومنها فقدان البصر، لكنه أثبت أن الإنسان لا يجب أن يوقفه عجزه أمام طموحه، بل أن يكون العجز عامل دفع وقوة، وهو الأمر الذي حصل مع الأديب حسين.
وجاء في مداخلة الروائي وليد علاء الدين: “كان علي تجاوز الإشارة الأولى في رواية “مصائر” صاحبة “البوكر العربية” هذا العام للكاتب ربعي المدهون، على رغم أنها ذكرتني بالشعراء الذين كانوا يقدمون لقصائدهم بعبارات مثل: “بينما أنا في الرياض، تنسمت عطر بنفسج فتحركت لواعج النفس وكانت هذه القصيدة تعبيرا عن الحزن”… أو غيرها من عبارات.
وأضاف وليد قائلا: فيما يشبه ذلك، يفتتح المدهون روايته بحوالي 200 كلمة تحت عنوان “قبل القراءة”، كأن 266 صفحة -حجم الرواية- لم تغنِه عن تقديم مدرسي شارح لدوافع الكتابة وكيفية “توليفها” في أربع حركات مستلهما قالب الكونشرتو الموسيقي، مبينا مضمون كل حركة، معليا –بنفسه- من قيمة هذا “التركيب التجريبي” نافيا رغبته “في توريط القارئ في قواعد التأليف الموسيقي وتعقيداته” لافتا إلى ما قام به من “أبحاث وجمع للمعلومات”، فالعمل على النص – كما يؤكد “لم يكن سهلًا أو هينا”!
وأوضح علاء الدين أن “مصائر” المدهون لغة تقريرية صحفية غير معنية بصنع عالم روائي ماتع بقدر انشغالها بخريطة القصة، لا تستمهل القارئ وترجئ فضوله عبر تسريب الدهشة إلى خياله بل لتخبره بما يريد الكاتب قوله، إنه استمهال صحفي تكاد تشعر بمدى الجهد المبذول في توشيته بما يدفع عنه هذه التهمة.
واختتم وليد علاء الدين مداخلته موضحا ومتسائلا: رواية “مصائر” لا تفتقر إلى مزايا، ففيها بالفعل جهد بحثي لخلق وتشبيك عوالم كافية لتحقيق هدف صاحبها في التعريف بـ”الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم بعد حرب 1948م” ونقل أشياء عن أحوالهم ودوافع بعضهم. السؤال: متى نتخلص من إشكالية تقدير الأعمال الفنية بناء على أهدافها وما تعالجه من قضايا كبرى، إن لم تكن المعالجات كذلك كبرى؟
وتطرقت د. جميلة الخانجي مدير دائرة خدمة المجتمع بمؤسسة التنمية الأسرية، وإحدى عضوات صالون الملتقى إلى رواية “عطارد”، التي وصلت للقائمة القصيرة في البوكر العربية عام 2015. مشيرة إلى أن الرواية تجسد التطرف الخيالي، وأضافت قائلة: لم أواجه مثل هذا الجحيم اللفظي المكتوب في الرواية. متسائلة: أي عامل متعة أو سمو قيمي في تجريد الأشخاص من الإنسانية، وهو يقدم أسوأ سيناريو في كل مجالات الحياة، في وصف الكاتب لمشاهد القتل، على أنها طبيعية.
ومن مؤسسة بحر الثقافة تناولت سارة السويدي رواية “أرجوك اعتني بأمي، قائلة الرواية تتحدث ولا تنتهي، بل تترك تساؤل صوت المجهول: لماذا لا نبدأ بتصحيح علاقتنا بمن نحب؟”.
وتناولت الشاعرة شيخة الجابري، أعمال علي المقري، بين روايته الثانية “حرمة”، والروايته الأولى “اليهودي الحالي”. بينما اختار الباحث الدكتور فالح حنظل: كتاب “الروائي مؤرخا”، مشيرا إلى أنه اكتشف أن الروائي والمؤلف يلتقيان ويفترقان، فالروائي يكتب عن أمر واقعي، كما يكتب أيضا من وحي الخيال، بينما يكتب المؤرخ وهو ملتزم بالوثيقة التاريخية. وجاء الختام مع الكاتب إبراهيم الوهلي الذي تناول بإعجاب “الكتاب الأخضر” موضحا أنه يضم ثلاثة فصول: الديمقراطية، والاقتصاد، والرجل الصناعي، لافتا إلى كثرة قرائه، وهو أغلى كتاب تجاوزت كلفته 350 مليون دولار، لأنه وزع على جميع المناهج ثم تم إحراق الكتاب في الشوارع. وإذا كان من الصعب الإحاطة بمداخلات بقية المشاركين في هذه الجلسة الأدبية، (مقص الرقيب) التي جاءت امتدادا لمبادرة (الكبسولة الأدبية)، التي سبق أن أطلقها الملتقى ضمن عام القراءة الذي احتفت به الإمارات خلال السنة الماضية”