2019-04-24
09:00:00

عن الثقافة الثالثة - معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2019

استقبلنا عميد كلية الآداب في يومنا الأول بالكلية بخطا احتفاء اختتمه قائلاً: الجامعة آداب وما عداها مهن وحرف..
كنا نردد عبارته هذه على أسماع زملائنا المختالين أمامنا بالسترة البيضاء متباهين بدراستهم الطب أو الكيمياء.. لم يجادلنا أحدهم مستنداً لنظرية سنو التي أطلقها في خمسينيات القرن الماضي محذراً من الفجوة بين مجالي المعرفة الانسانية: العلوم التطبيقية من فيزياء وكيمياء وفلك وغيرها والدراسات الإنسانية من فلسفة وأدب وتاريخ ولاهوت.. أطلق سنو كلمة ثقافة على كلا المجالين وجادل بأن المنتمين لاحدى الثقافتين لا يعرفون شيئاً عن الثقافة الأخرى أو بالكاد. فلقب المثقف الموسوعي كما يراه سنو قد اختصرته ثقافة الدراسات الإنسانية وجعلته حكراً عليها، بينما يجب أن يكون المصطلح أكثر اتساعاً ليضم المعرفة بثقافة العلوم التطبيقية. اعتبر سنو من العار ألا يعرف مثقف يقرأ كتب الفلسفة والعلوم الاجتماعية ولا يعرف أبسط قوانين الفيزياء وعلوم الوراثة. كان سنو يبشِّر بثقافة ثالثة تساهم في تقليص هذه الفجوة بين الثقافتين ويتبنى أفرادها قناعات تحتم
معرفة كل فريق عن ثقافة الفريق الآخر وتجعل هذه المعرفة ضرورة وليست ترفا. في بداية التسعينات من القرن الماضي واصل بروكمان جدلية الثقافة الثالثة متخطيا بشارة سنو الى تعريف آخر لهذه الثقافة. يرى بروكمان أنها لن تساهم في تقليص الهوة بين الثقافتين فحسب بل أنها ستحل محلهما وتقدم بديلاً جديداً عن كلاهما. استشهد بروكمان في جدليته بالانتشار الواسع للعلوم والمعارف وتبسيط اللغة العلمية حتى يتسنى للسواد الأعظم فهم مقاصد العلوم التطبيقية ومتابعتها كالنظم الفيزيائية والهندسة الوراثية وغيرها. أطلق بروكمان على جيل الثقافة الثالثة لقب الإنسانيون الجدد.. لكنه في أغلب تصويره لهم كانوا علماء ينتمون لجانب ثقافة العلوم التطبيقية ويملكون ناصية الدراسات الإنسانية وليس العكس.